بقلم: بدر بن حمود البدر
مع تداول سير بعض الشخصيات الإدارية الناجحة والتركيز عليها في الكتب ووسائل الإعلام، ترسخت لدى الجمهور صورة نمطية عن أسلوب القائد ودوره. كان للإسهامات التي قدمتها هذه الرموز القيادية دورًا كبيرًا في تشكيل هذه الصورة الذهنية عند العامة. فما زالت مؤسسات إدارية وتعليمية تقف على أطلال هذه النماذج وتشجع اتباع نهجها، لاعتقادها بأنها تمثل ما يجب أن يكون عليه القائد. ومع مرور الوقت، أصبح خروج أي قائد جديد عن إطار هذه الصورة لإعادة اختراع نفسه أمرًا يواجه بالاستنكار والرفض.
ولكن السؤال هنا، هل القيادة مفهومًا صلبًا يطبق بحذافيره ولا يعاد تشكيله؟ وهل كل نموذج قيادي نجح في عصر ما قادر أن ينجح في كل عصر؟
لكل عصر قادته
مفهوم القيادة يتغير بمرور الوقت وكل حقبة زمنية تتطلب نمطًا معدلاً للقائد حتى يتناسب دوره مع احتياجات المرحلة وتحدياتها. وبما أن القيادة قابلة للتعلم والتطور والصياغة بما يتناسب مع العصر، فهي إذاً صناعة يمكن إعادة اختراعها. معظم القادة السابقون قدموا نماذجًا تتناسب مع وقتهم وأتقنوا أدواتً كان يتطلبها عصرهم. ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه النماذج صالحة لكل زمان ومكان. قد نستفيد من هذه الشخصيات القيادية بدراستها وتحليل تطبيقاتها، ولكن لابد من التعديل عليها وإعادة اختراعها وعدم حصر أنفسنا فيها. فمع التغيرات الأخيرة المتسارعة سواء التقنية، أو الاجتماعية أو الاقتصادية لابد أن نرسم صورة جديدة للقائد بأبعاد وزاويا مختلفة.
المملكة وشكل جديد للقادة
تنتقل بلادنا حاليًا إلى مرحلة تتطلب قادة بتركيبة وذهنية خاصة. فلم يعد استنساخ النماذج القيادية السابقة وتطبيق أساليبهم وسيلة كافية لإدارة الموظفين والمشاريع التحولية الضخمة. فالمملكة العربية السعودية تقدم نفسها اليوم كمنافس رئيس عالميا ولاعب استراتيجي بنفوذ واسع في منطقة الشرق الأوسط والعالم. ولهذا وجب أن يعيد كل قائد اختراع نفسه بما يتماشى مع البيئة المحيطة المتغيرة، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة تحت قيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله.
عندما عملنا في مسك على إعداد برنامج قادة 2030 وهو البرنامج الأول من نوعه في المملكة لتمكين وإعداد قيادات الوطن الشابة لقيادة التغيير والتحديات المستقبلية، أعددنا نموذج كفاءة قيادية ” Leadership Competency Model” لتمكين المشاركين من تطوير أسلوب قيادي يتماشى مع طبيعة رؤية وأهداف المملكة للمرحلة القادمة بغض النظر عن خلفياتهم المهنية.
عملنا على هذا النموذج بعد إجراء بحث ومراجعة مكثفة لرؤية 2030، وحرصنا على حصر أهم الكفاءات التي يحتاجها القائد للمرحلة الجديدة. والكفاءات المقصودة هنا هي مجموعة من المهارات، والصفات الشخصية، والمعارف الجوهرية اللازمة لنجاح أي قائد. من تلك الكفاءات مثلًا أن يكون مجددًا، متواصلًا بشكل فعال، وقادرًا على خلق بيئة ابتكارية. كما حرصنا على الموازنة بين الأقطاب فمثلًا يحتاج القائد أن يوازن بين جودة العمل وسرعة التنفيذ، وبين مراعاة الموظفين والحزم.
من بين هذه المهارات التي حرصت مسك على نقلها للقادة الشباب في نموذج الكفاءة سأفصل في الأسفل أهم ثلاث سمات قيادية أجد أنها تؤدي دورًا هامًا في تحقيق الأهداف التي وضعتها المملكة للمرحلة الجديدة.
من هو القائد الذي نحتاجه اليوم؟
قائد مؤثر
في ظل هذه المتغيرات المتسارعة نحن بحاجة إلى قائد يمتلك فن التأثير أكثر من أي وقت مضى. لم يعد سرًا أن القائد المؤثر يقوم بدور مؤسسات وقنوات إعلامية. فمع سطوة الإنترنت والعولمة الرقمية، لم يعد دور القائد محصورًا في محيط مكتبه وغرف اجتماعاته. فالمسؤولية ستنتقل معه حتى خارج مكان آو أوقات دوامه، من خلال تفاعله مع مجتمعه وفي وسائل التواصل الاجتماعي. من الضروري أن يكون حاضرًا في المنصات الافتراضية لنقل خبراته وعلمه وتدوين تجاربه.
القائد المؤثر تجده في رحلة تحفيز دائمة. يشجع الأخرين على التطوير، ويسعى لاستنهاض همم من حوله واستخراج أفضل ما لديهم. فالتأثير هنا لا يعني ممارسة النفوذ والسيطرة، ولا يتعلق بالتلاعب بالآخرين لتحقيق أهداف معينة، إنما يتعلق بإدراك ما يحركهم والحصول على التزامهم لتحقيق الأهداف والنتائج بشكل أسرع وأفضل.
قائد متفاعل
تتطلب هذه المرحلة قائدًا نشطًا متفاعلًا ينظر للمتغيرات من حوله من منظورٍ متكاملٍ ويتفاعل معها بما يعود بالنفع على نفسه وفريقه، وذلك من خلال بناء علاقات متعددة داخل مؤسسته وخارجها والاطلاع على آخر توجهات الأسواق ونماذج الأعمال واستراتيجيات المنافسين. فالقائد الاستباقي المتفاعل لديه قدرة فائقة على التخطيط وتطوير عمل فريقه ووضع تدابير لمنع المشكلات قبل حدوثها. كما أنه يرسي ثوابت الثقافة المتفاعلة بتشجيع المحادثات وتقريب المسافات بين فرق العمل وتعزيز مهارات التواصل. فهو لا يتوانى عن إجراء محادثات جانبية خارج مواضيع العمل، مما يولد شعورًا بالامتنان لدى الموظفين لمعرفة القائد بهم على المستوى الشخصي.
قائد منفتح
نحن بحاجة إلى قائدٍ منفتح على مختلف الثقافات وبيئات الأعمال المتنوعة. وقادر على تبني حلول متعددة وتجربة أساليب إدارية عصرية تتناسب مع متطلبات الأسواق. فالقائد المنفتح لا يشعر بأنه وصل لحدٍ كافٍ من المعرفة، فهو متعطش لكل ما هو جديد ولدية درجة عالية من الفضول ورغبة حقيقية في فهم العالم ومتطلباته، ولا يتورع عن التعلم حتى من أعضاء الفريق. لذلك تجده قارئ جيد للوضع الحالي من تغييرات محلية وعالمية دون أن يطلب منه. كما أنه يسعى دائمًا للبحث عن مفاتيح الوعي الذاتي، والتحسين المستمر والقدرة العالية على التكيف. من أهم ما يميز القيادة المنفتحة أيضًا التعامل مع الفريق بحياديةٍ تامة بغض النظر عن جنس الموظف وعرقه ودينه.
من المهم أن يعي القائد أن المهارات التي أوصلته لمنصبه لا تضمن له الاستمرارية والانتقال لمستويات أفضل. لذلك لابد أن يكون منفتحًا للمتغيرات ويعمل على تطوير مهاراته باستمرار لمواكبة المرحلة الحالية وما بعدها. حتى وإن كان هذا الأمر صعبًا ويتطلب مخاطرة الدخول في مناطق وأدوار غير مألوفة.
أخيرًا، اسأل نفسك متى كانت آخر مرة راجعت فيها أسلوبك القيادي وحاولت الخروج من منطقة راحتك؟ ومتى كانت آخر مرة فكرت بها بجدية بتحديث دورك بما يتناسب مع تطلعات المرحلة التي تعاصرها.
المصدر: مدونة بدر البدر.