#حديث_تنفيذي

مكاتب عمل بدون شماعات

بقلم بدر البدر

تخيل أنك في كل مرة ترغب بالمشي، أو ممارسة رياضتك المفضلة تستلقي على أريكتك، وتطلب من الآخرين القيام بذلك نيابةً عنك. وفي كل مرة تريد أن تتأمل لوحة جميلة أمامك. تغلق عينيك بدون مبرر وتسأل أحد المارة أن يصف لك المنظر الذي يشاهده. وتخيل أنك كلما أردت التفكير في أمر ما تستأذن أحد أصدقائك ليقوم بمهمة التفكير بدلًا عنك بدون أدنى محاولة للاعتماد على الذات.

بالرغم من عدم منطقية هذه التصورات. وصعوبة تخيلها إلا إنها تجسد بشاعة أحد أخطر السلوكيات التي يعاني منها مجتمعنا. وهو عدم تحمل المسؤولية، وتعليق الأخطاء على شماعة الظروف أو الأشخاص. ذلك السلوك الذي أصبح متفشيًا لدى البعض سواء في البيوت أو مقرات العمل.

كم مرة سمعت عبارات مثل “المدرس رسبني”، أو “مديري مستقعد لي”، أو “لو عندي حظ فلان كنت عملت كذا وكذا” لتبرير الإخفاقات والتنصل من تحمل المسؤولية؟

تعود أصول هذا السلوك لأسباب عديدة، نفسية أو ثقافية أو مجتمعية، ابتداءً من التنشئة الاجتماعية المتمثلة ببعض الأسر التي تعفي الأبناء من كل المسؤوليات بدافع الحماية. فيكبر الابن متكلًا على أبويه ومجردًا من مسؤولياته. ثم ينتظم بالصفوف الدراسية القائمة على التلقين. في بيئة لم تقدم له العملية التعليمية بوصفها عملًا ذاتيًا قائمًا على البحث والاستكشاف. فينسى أن حصوله على العلم هي مسؤوليته بالدرجة الأولى. ويعتمد على معلمه باعتباره المصدر الوحيد للمعرفة.

بعد التعرض لكل هذه العوامل والظروف ينخرط هذا الشخص في سوق العمل حاملاً معه شخصيته الاعتمادية، واتكاليته المفرطة. مستخدمًا الآخرين كشماعات يعلق عليهم أخطاءه وعثراته بدون أي محاولة للاعتماد على الذات. ويعتمد على من حوله عند أي قرار يتخذه كبيرًا كان أم صغيرًا.

حياتك المهنية هي مسؤوليتك وحدك

بعض الموظفين يتجهون إلى مقرات عملهم في كل يوم وهم مقتنعين أنهم ضحايا، نتيجة جهلهم بمبدأ الاعتماد على الذات. عندما يواجهك مدير سيء أو معلم غير متفهم، من المهم أن تعي أن النتائج التي ستحققها مرتبطة بكيفية استجابتك للحدث وليس الحدث نفسه.

إن تحمل الشخص المسؤولية الكاملة عن كل شيء في حياته المهنية هو انعكاس لقوة شخصيته التي تمكنه من تغيير أو إنجاز أي شيء في عمله وحياته الخاصة. وطريقك للتغلب على أي شيء أو تحقيق أي نتيجة يبدأ بفكرة قبول المسؤولية الكاملة عن كل جانب من جوانب حياتك ورفض إلقاء اللوم على أي شخص آخر.

وفقت في مرحلة مبكرة من عمري إلى التنبه لأهمية الاعتماد على الذات مما أثر بشكل كبير على مسيرتي المهنية لاحقًا، أتذكر عندما كنت مقبلًا على المرحلة الجامعية وبعد حصولي على قبولين جامعيين أحدهما في جامعة الملك سعود والآخر في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، اخترت بعد الاستخارة الدراسة في المنطقة الشرقية بعيدًا عن المدينة التي يسكنها الأهل رغبة مني في الاستقلال في بيئة ملائمة لبناء الشخصية والابتعاد عن الجامعة التي كان يشغل بها والدي منصب وكيل الجامعة لأتجنب المجاملات وحتى لا يرتبط نجاحي بمنصب والدي. اخترت الاستقلالية في بيئة بعيدة تحفز الاعتماد على الذات مما علمني الانضباط وأتاح لي مواجهة الحياة وحل المشكلات.

هناك عدة أساليب تساعدك على تعزيز سلوك الاعتماد على الذات والتخلص من كل الشماعات في حياتك المهنية، أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

لا تنتظر ما تريد أن يحدث – اجعله يحدث

في كثير من الأحيان، ينتظر بعض الأشخاص من إداراتهم أن يقدموا لهم فرص عمل جديدة على طبق من ذهب.

مبدئيًا، لابد أن تدرك أن أغلب المدراء غارقون في أعمالهم وليس لديهم الوقت الكافي للتركيز بشكل كبير على مسارك المهني. لن يعلم رئيسك متطلباتك. ولن يقرأ رغباتك ما لم تخبره بذلك. قد يحظى زميلك بفرصة جيدة فقط لأنه لا يتحرج أن يطلب ما يريد.

هذه ليست نصيحة لأن تصبح انتهازيًّا، وإنما دعوة للتواصل والتعبير عن رغباتك وتحمل مسؤولية تطور مسارك المهني. إذا كان راتبك منخفضًا للغاية، لا تتوقع من رئيسك أن يلاحظ ذلك واطلب الزيادة. وإذا كنت تريد الانضمام لمهمة خارجية أظهر رغبتك. وإذا كنت بحاجة إلى مزيد من التدريب في وظيفتك، اطلبه لتحصل عليه. لا تتوقع من الآخرين أن يلبوا احتياجاتك وأنت لم تعبر عنها. قرر تحمل مسؤولية تطورك الوظيفي وجرب طرق مختلفة للقيام بذلك سواء عبر البرامج التدريبية أو الدرجات العلمية.

قدم اعتذارًا مهنيًا مسؤولًا

عود نفسك على تحمل المسؤولية والإقرار بالأخطاء وكيفية التعلم منها وتصحيحها. جميع الموظفين يخطئون في أعمالهم وبعض الأحيان يرتكبون أخطاء فادحة. ولكن هناك نوعين من الأشخاص، بعضهم يبحث عن شخص آخر لإلقاء اللوم عليه لتغطية الأخطاء التي ارتكبها، والبعض الآخر يعترف بخطئه بكل مسؤوليه ويركز على إصلاحه وتفاديه في المرات القادمة.

في كل مرة تخطيء قدم اعتذارًا مقبولًا مثل: “أنا آسف. لقد ارتكبت هذا الخطأ، وسأصلحه” أو ” هذا كان خطئي. ماذا يمكنني فعله لإصلاحه؟ “. الاعتذار الجيد المسؤول لا بد أن يحتوي على ثلاثة شروط: اعتراف بالخطأ، واعتذار صريح، مع عدم وضع قيود لغوية بعبارات مثل “أعتذر ولكن …” قد تزيد بهذا من احتمالية أن تلقي اللوم على الغير وهو ما تحاول أن تتجنبه.

التعرف على مخاوفنا طريقنا للاعتماد على الذات

في بعض الأحيان قد نخاف من تحمل المسؤولية لأننا لا نريد الاعتراف بقصورنا ولا نريد ان تهتز صورتنا أمام أنفسنا. وهذا يحرمنا من رؤية الواقع كما هو وإصلاحه. فالأفضل أن تواجه نفسك وتوازن بين الطريقة التي ترى بها نفسك والتي يراها بك الاخرين. معظم مخاوفنا من تحمل المسؤولية ليست حقيقية وما هي إلا مجرد أفكار نحملها. إن ألد أعدائنا يختبئ في آخر مكان نتوقعه وهو عقولنا التي تحمل رزم من الأفكار المبرمجة والمشوشة والمنتجة لكثير من الأوهام.

كأشخاص بالغين خضعنا جميعًا لبرمجة مسبقة، ومن المؤسف أننا لم نقاومها بشكل كافي، لكننا نستطيع دومًا مراجعة هذه البرمجة وتفكيكها. فإذا ساورتك بعضًا من هذه المخاوف، اعلم أنها مجرد أفكار عابرة سرعان ما ستمر، فقط اتبع ذلك الصوت القادم من وجدانك، وحلق معه بعيدًا إلى أقصى نقطة ممكنة.

أخيرًا، إن الاعتماد على الذات وتحمل المسؤولية هو أحد ضمانات النجاح المهني، لأنك عندما تقرر بأنك الشخص الوحيد المسؤول عما يجري لك فأنت تؤكد فكرة جوهرية في أعماقك مفادها أن حياتك ملكك وحدك وأنك المخول بقيادتها كيفما شئت. تقبل حقيقة أن واقعك المهني هو نتيجة قرارات وسلوكيات سابقة انتهجتها، وأن تغيير هذا الواقع يتطلب منك أن تكون مسؤولًا عن اختياراتك وقراراتك وما يترتب عليها.

المصدر: مدونة بدر البدر.